Tuesday 20 May 2014

66عام على النكبة...وعقود على النكبة الثقافية؟



66عام على النكبة...وعقود على النكبة الثقافية؟



ليث مسعود

لم تقتصرالنكبة على استعمار الأرض؛ بل امتدت لاستعمار الثقافة، واستعمار النفوس وترويض المثقفين ليتحولوا من وظيفتهم في الدفاع عن الشعب الى دفع الشعب لاستدخال الهزيمة، والقبول بالإستسلام للعدو، والتسليم بأن لا هزيمة لهذا العدو، وأن لا مكان لنا في هذه الأرض، أو أن علينا القبول بما تبقى من فتات فيها، غير أن بعضهم يخجل عند الحديث عن حق العودة والبعض الآخر لا يخجل...

فترة ما بعد الإستعمار هي ما أسماها الفرنسيون الإستعمار الجديد حيث سلمت البلاد المستعمرة لمن ينوب عن المستعمر فيكمل أهدافه ويحقق له مراده، دون الحاجة لوجود عسكري للمستعمر الأجنبي في هذه البلاد، وهذا ينطبق على كافة البلاد في الوطن العربي، التي رحل عنها المستعمر وترك مكانه من يكمل المسيرة في تجويف العقل والقضاء على الثقافة...إضافة الى هذا فهنالك حاجة لحارس يؤكد بأن المستعمر الجديد يسير على الخطى الصحيحة وهذا الحارس الأمين للمشروع الرأسمالي المعولم هو الكيان الصهيوني، الشرطي الحارس على الطبقة الكمبرادورية* الحاكمة والمتمثل دورها في خنق أي مشروع نهضوي سواء فكري أو اقتصادي ، كما ان هذا الحارس سيضمن تفتيت الوطن العربي الذي فتت أصلاً من خلال اتفاقية سايكسبيكو، لكن حفاظاً على عقل أقل تفكيراً وأكثر تعصباً للجهل ومنعاً للتنمية والنهضة يتوجب على المستعمر تفتيت الوطن العربي المفتت...على أية حال، لا تكمن النكبة في وجود المستعمر هذا أو وجود الكمبرادور فقط، بل هي تكمن بقدرة هذا الكمبرادور الحاكم على ترويض المثقفين، ومن ثم إخماد الشعوب بتجويف وعيهم؛ فانعدام الوعي والثقافة تدعم الشعور بالخوف واعطاء الهيبة لمن لا يستحقها، وان وجد حراك وأقصد ما يسمى "الربيع العربي"، فهو حراك عن جهل أومحفّز حيث تتم قيادته الى حد معين. فيكفي مثال مصر حيث يحكم اليوم رموز نظام مبارك وحتى في زمن مرسي كانت رموز النظام لا تزال موجودة فأي شعب واعٍ يقبلها؟.

كيف يعمل هذا الكمبرادور على إخماد هذا الشعب بشكل عام، والفئة المثقفة بشكل خاص والتي يتوجب عليها توعية هذا الشعب ليستيقظ من غيبوبته؟...تبدأ العملية في المراكز التعليمية سواء كانت حكومية أو خاصة فلا فارق بينهما في ظل هذا الحكم، فتبدأ المدرسة بتلقين الطلبة منذ الصغر وتعمل على قتل روح التساؤل والبحث لدى الطلبة؛ وذلك من خلال الإعتماد على نمط التعليم الذي انقرض بعد إثبات دوره في قتل العقل وهو نمط "الإيداع البنكي"، أي أن تودع المعلومات لدى الطالب جاهزة دون دفعه لتحليلها أو البحث عنها بشكل اوسعن ومن هنا تبدأ عملية تجويف الوعي وتجويف العقل أو ما أسمي "العقل الأجوف"، وفي الجامعات تستمر عملية الإيداع البنكي، مع إضافة وجود أكاديميين يعملون لصالح الكمبرادورية مقابل المال أو المنصب... فيعملون على قتل الروح المتبقية لدى الطالب في التفكير أوالتحديث وخاصة إذا كان التفكير هذا يخرج عن إطار القطيع...فيعملون على دفعه لتقبل "الأمر الواقع".

أما في الحديث عن المثقفين فهم في الوطن العربي يتفرعون على عدة أشكال فمنهم من يتبع للرأسمالية الغربية فيعتمد على منح مالية أو أكاديمية...ومنهم من هو تابع بقناعة غريبة جداً بالطبع لا تخلو من الماديّة!، ومنهم من يتبع للكمبرادور وذلك لمصالح معينة إبتداء من وظيفة الى أمور أخرى، وهناك من يصمتون عند الحديث حتى عن مقاومة المحتل وكأن الحديث في هذا الموضوع يدخل في المحرمات...ومن هنا نحن بحاجة لإعادة هيكلة وإنشاء فئة جديدة من المثقفين بتحريرها من العقل الأجوف وإبعادها عن مصائد الإغراء الكمبرادورية والرأسمالية...إذن فقد روِّضت الشعوب، لكنها لم تروّض فقط لتصمت عن سرقة الحاكم لمال الشعب؛ بل ليصمت عن الخيانة وليتقبل صداقة هذا الحاكم مع المستعمر، كما أن دور بعض المثقفين في هذه الدول هو إعطاء الإبر المخدرة، وخاصة للجيل الشاب الذي لم يشهد هزيمة الجيوش العربية في العام 1967، الهزيمة التي اعتبرت انتكاسة للشعب العربي وبداية فقدان الأمل... وهنا يأتي دور المثقف المخدّر فينقل صورة هذه الهزيمة مصحوبة بقالب الأفكار المعروف، والذي تتناقله الأجيال حديثاً بأن هذا الكيان عمل على بناء نفسه ووصل لدرجة لا يمكن لنا التفوق عليه فيها، وبأن مصيبتنا تتوقف على أننا لا نتوكل على الله!، وهنا يبرز دور المدرسة والجامعة في قتل العقل؛ فيستقبل العقل الأجوف هذه الافكار دون تحليلها أو حتى محاولة البحث عن توضيح يشبع تساؤلات العقل البشري، ثم يتقبل بأن مصيبتنا تكمن في عدم التوكل على الله...لكن هل فعلا المقصود هو التوكل؟، لا والله إنما يقصد بها التواكل والتواكل ثم التواكل!!...

في كل عام صفارات الإنذار، اغلاق المؤسسات الحكومية، وقفة لأجل حق العودة، تنظم من قبل الحكومة التي تطالب بحدود 67، والله أعلم أين سيعود اللاجئون حينها؟....بعيداً عن هذا نطرح التساؤلات التالية :

 لماذا لا تنظم الجامعات العربية في كل ذكرى مؤتمراً عربياً يناقش القضية الفلسطينية ويضع خططاً استراتيجية لها، يبحث سبل التحرير يبحث سبل المقاومة من الداخل والخارج، يبحث سبل الضغط الشعبي على الكمبرادورللمقاطعة الصناعية والزراعية وغيرها من العلاقات التطبيعية مع الكيان والتي تنشط مع الأردن والخليج والمغرب وتونس...أين هم الأكاديميون حملة الشهادات؟ وأين هم المثقفون؟

لماذا لا يتصارح الشعب مع نفسه وأقصد الشعب العربي كافة وأن يضع نفسه في موقف موحد لا أن يقف نصف موقف؟
لماذا يصر الجيل الشاب على البقاء على جهله؟، فهل وصلت درجة التجويف لإفقاد العقل الإنساني مكانه أو وظيفته؟!
لماذا لا تعمل فئة المثقفين والأكاديميين (غير التابيعن) على إنشاء فئة جديدة من الجيل الشاب تكمل مسيرة التوعية وتكمل مسيرتها في محاربة الإستعمار الجديد؟

هل وصلنا لدرجة الإعتماد على مُحفّز خارجي يدفعنا كما لوكنا قطيعاً لنتحرك في وجه الحاكم إلى أن يصل المُحَفِّز الى مراده فيقودنا عودة إلى الحظيرة ؟

هل وصل الجيل الشاب الذي عرف في الواقع والأسطورة بالعنفوان والخروج عن القطيع الى درجة من الطاعة أدخلته في القطيع الذي لا يكف عن التوجه الى المقصلة؟! 

*تسمية تطلق على الطبقة الرأسمالية التي تعمل على إغراق الأسواق المحلية بالمنتجات الأجنبية مما يؤدي الى قتل المنتج المحلي وهذه الطبقة تعتمد على قربها من السلطة الحاكمة وقد تكون هي السلطة بحد ذاتها، ومن هنا فهي تؤخذ على إستيراد البضاعة أو الثقافة وغيرها.

 **نشر هذا المقال على شبكة الوحدة الإخبارية بتاريخ 5/19/2014 رابط المقال:
  http://wehdanews.com/News.aspx?id=21547&sid=3

No comments:

Post a Comment