Saturday 18 August 2012

مقالة : عقل بشري أم ذاكرة إلكترونية ؟


عقل بشري أم ذاكرة إلكترونية  ؟

بقلم: ليث مسعود


12-8-2012


عندما يتخرج الطالب من المدرسة ثم الجامعة أو المعهد في البلدان العربية خاصة يتخرج حاملاً شهادة ذاكرة قوية أو حث مستمر وحفر في جدران الدماغ...نعم فنحن لازلنا نتبع سياسة الإيداع البنكي، السياسة المدمرة لمبدأ العقل البشري فمبدأ هذا النظام يحول دماغ الطالب الى مايشبه الذاكرة الإلكترونية ؛ فالمعلم هنا يلعب دور المزود والطالب هو عبارة عن الذاكرة الإلكترونية التي تستقبل المعلومات من المزود فتخزن هذه المعلومات الى حين يأتي ذلك الوقت الذي يتم فيه قص هذه المعلومات ولصقها في ورقة الإمتحان ...وهكذا تستمر السلسلة على مدى إثني عشر عاماً !،ثم يتكرر الأمر في الجامعة فهي ليست أفضل حالاً في الوطن العربي,والدول المجبرة على البقاء تحت إسم دول نامية!.

إذن السؤال الأول هو الى متى ؟ والى أين ؟ ...
لم يخطئ العالم باسكال عندما عرف مفهوم الإنسان فقال : " الإنسان هو قصبة،الأضعف في الطبيعة،لكنه قصبة مفكرة". نعم إنه قصبة مفكرة لكن لدينا سياسة تعليم تدفع بهذه القصبة للبقاء كما هي قصبه ضعيفة لا تبتكر, لا تعرف سوى كيف تعيش، باسكال لم يتعلم في المدرسة حين كان نظام تعليم بلاده فاشلا,بل تعلم في بيته تحت ضغط والده الذي أحضر له الكتب وساعده على التعلم ، التعلم على كيفية التفكير والبحث فجعل منه تلك القصبة المفكرة فكان أول مخترع لآلة حاسبة تعتمد على( الميكانيكا) والتروس المترابطه ...وغيرها من الانجازات العلمية .

السؤال الثاني هو : الى متى التفريط في العقول المفكرة؟
عندما نتحدث عن عقول مفكرة في هذا الوطن عادة ما تكون عقول تعلمت في جامعات أجنبية، والسبب أن تلك الجامعات تعتمد البحث والإستكشاف, وتحث الطلبة على التفكير؛ فتوفر له المكاتب الواسعة وتؤسسه على طريقه البحث العلمي الصحيحة كما تمده بالمختبرات العلمية إن كان يدرس العلوم الفيزيائية وغيرها...فهنالك الكثير من علماء عرب حاولوا الحصول على دعم لتنفيذ براءة اختراع من الدول العربية لكنهم قوبلوا بالرفض ،فتبنتهم الجامعات والدول الأجنبية .إذن نحن لانهمل فقط في التعليم بل نهمل أيضا العقول الناضجة المفكرة المنتجة وندفعها للرحيل !.

السؤال الثالث والأخير: صحيح أننا نعاني من الإستعمار الجديد الذي لا يقدم الدعم المطلوب للتعليم ، لكن ألا يقع على عاتقنا بعض المسؤولية؟.
إذا تحركت إدارة الجامعات سواء أكانت حكومية أم خاصة وأنشأت مراكز أبحاث داخلها, ووفرت المكاتب المتخمة بالعلم ،وليس هذا فقط بل وتعمل على حث الطلبة ودفعهم للبحث والتفكير, وتزويدهم بما يحتاجون من دعم. كيف سيحث الطالب على البحث؟ ...التحول من طريقة الإمتحانات التقليدية الى طريقة الأبحاث, فيطلب من كل طالب أن يأتي ببحث عن موضوع معين ويتقدم بشرح هذا الموضوع وعلى أساس هذه الأبحاث تدرج العلامات للطلبة, ولاضير من نشر أفضل بحث يقدم في المجلات أو الصحف العامة فهي أحد سبل التحفيز على التفكير والإكتشاف والإبتكار, والإبتعاد عن البقاء مجرد ذاكرة الكترونية تخزن معلومات لا تستخدمها وغالبا ما تمسح لقلة استخدامها وفهمها، ليس خيالاً علميا لكن واقع يجب التفكير فيه فأتحدث عن أقرب وسيلة للواقع.

أما إذا أردنا الإصلاح الحقيقي, فعلينا أن نبدأ بوضع سياسة واضحة للمسيرة التعليمية؛ تبدأ من طاقم المدرسة أي المعلمين ثم الطلبة, فيجب أن تكون طريقة تلقي الطلاب للمعلومات على أساس التفكير والبحث الدائمين، ثم تتبعها سياسات الجامعات التي تحدثنا عنها سابقاً ....

نشرت هذه المقالة في صحيفة العربي -في فلسطين المحتلة..بتاريخ 17-8-2012


No comments:

Post a Comment