Friday 15 March 2013

ليبيا...حرية أم دمار واحتلال؟


ليبيا...حرية أم دمار واحتلال؟

بقلم ليث مسعود

14/3/2013

بداية أود التذكير بأني لا أدعم أي حاكم دكتاتوري، لكني أيضا لا أدعم أي احتلال عسكري اقتصادي لاي بلد عربي
                                                                                           
خلص تقرير روبرت جيتس نائب المدير لشؤون المخابرات الامريكية الذي أعد حول التدخل في ليبيا في الثمانينيات الى النتيجة التالية : " رغم أن هناك بعض الجوانب السلبية، الا أنها فرصة لإعادة رسم خريطة شمال إفريقيا بإجمال".(رفعت سيد أحمد، الصراع على ليبيا بالوثائق، ص60)

لقد بات الحديث عن "سايكس بيكو2" شائعا في وسائل الاعلام التي تعد إما مستقلة أو تابعة لدول القطب الثاني الذي بدأ يصعد وبشكل ملحوظ، وذلك بازدياد حروب الوكالة التي كانت موجودة في زمن الاتحاد السوفيتي...إن الحديث عن هذه الخطة ليس بالجديد وأكتفي باقتباس جزء صغير من مقالة نشرت في مجلة كيفونيم، التابعة لمنظمة الصهيونية الدولية,حيث نظَّرت في عددها الـ14 فبراير عام 1982، ابان الإعتداء الإسرائيلي على لبنان، في مقالة عن "خطط إسرائيل الإستراتيجية في عقد الثمانينيات" ومما جاء فيها :
"لقد غدت مصر، باعتبارها كياناً مركزياً، مجرد جثة هامدة، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار المواجهات التي تزداد حدة بين المسلمين والمسيحيين. وينبغي ان يكون تقسيم مصر الى دويلات منفصلة جغرافيا و هدفنا السياسي على الجبهة الغربية خلال سنوات التسعينيات.
وبمجرد أن تتفكك أوصال مصر وتتلاشى سلطتها المركزية، فسوف تتفكك بالمثل بلدان أخرى مثل ليبيا والسودان  وغيرهما من البلدان الأبعد". (روجيه جارودي،حفارو القبور الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها، ص41).

لم تأت المقالة الى كيفية التقسيم، ليس لأنه أمر سري، بل لأن طريقة التقسيم واضحة!، فإذا عدنا الى الثورة العربية الكبرى التي كانت من اسس التقسيم، فهي تتكرر اليوم هي ذاتها ولكن اليوم بقيادة بعض وسائل الاعلام التي اذا ما ركزت أخبارها وبرامجها التي تعتمد على الكثير من التزوير والبعد عن الشفافية، أشعلت نيران الفتنة لا الثورة في البلد المعني، فقد كان التركيز الاعلامي ولا يزال على سوريا من بعد ليبيا، واليوم تعود مصر الى ساحة الاعلام...أما اليمن التي لم يتغير شيء بعد ثورتها، قليلا ما تذكر، البحرين اذا ذكرت تذكر ثورة شيعة، أو إخلال بالنظام، ولكن السؤال المطروح هنا، شيعي أم سني، مسيحي، أو شيوعي، أليسوا بشرا؟ فأين هي حقوق الإنسان، الحرية، الديموقراطية، والشفافية!.

 ليس بالجديد على الاعلام أن يتبع سياسة التضليل الذي يصب بمصلحة بعض الدول، ففي اجتماع لمجموعة تخطيط الامن القومي الأمريكي، أحيكت خطة تتمثل بالتضليل الاعلامي من خلال دمج الواقع بالوهم في برامج التضليل الاعلامي، وكان الهدف في تلك الفترة (فترة الثمانينيات) هو جعل القذافي يصدق بأن المعارضة الداخلية كبيرة جدا وأن ضباطه الموالين له قد تخلوا عنه. ( رفعت سيد، الصراع على ليبيا بالوثائق،ص68).

عند الحديث عن الربيع العربي وخاصة الثورة الليبية، نعود لتصريح رئيس الوزراء الايطالي السابق حيث قال : "ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعاً عربياً أو ثورة شعبية، بل تدخلاً أرادته فرنسا مضيفا أن القذافي كان يطعم شعبه ويوفر له ما يحتاج فلماذا قد يثور عليه؟" (موقع صحيفة القدس العربي،11/1/2013).

أما نتيجة تلك الثورة كان تدخل الناتو في ليبيا الذي صوّر على أنه المحرر والمنقذ لها بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، نعم يدعمون الحرية والانسانية التي لاتزال آثارها ظاهرة في العراق!. اذا كان القذافي قد دمر ليبيا حسب وسائل الاعلام عندما بدأ بقصف معارضيه المسلحين بطائرات الميغ، فماذا فعل الناتو؟.

حسب الموقع الرسمي للناتو*، قامت القوات المشاركة  " بـ 26,000 طلعة، بمعدل 120 طلعة في اليوم الواحد، 42%منها كانت ضربات والتي دمرت ما يقارب 6,000موقع عسكري(...)اضافة الى مشاركة 8,000 جندي و21 قطعة بحرية في العملية".

اذن حسب الناتو عدد الطلعات التي كان فيها قصف 10,920 طلعة، فهل تحتاج المواقع العسكرية الليبية لكل هذا؟ وكم عدد الضحايا ؟ وكم قنبلة أو صاروخ ألقي في كل طلعة من الطائرات؟.

ليس بالبعيد ان تكون هذه الضربة مماثلة لتلك في العراق عام 1991، عندما انهالت عليها القنابل والصواريخ من طائرات الجيش الأمريكي وحلفاؤه؛ حيث اعترفت الامم المتحدة مصرحة : "رجعت العراق أمة لعصر ما قبل الصناعة"(روجيه جارودي،حفارو القبور، ص16)...نعم هكذا تم الدفاع عن الحق "الدولي" في العراق واليوم يتم الدفاع عن الحرية بالمثل في ليبيا!، لكن اليوم أين هي ليبيا؟ وأين وصلت ؟، ليبيا تحولت الى ولايات ليبية تعتمد على القبلية ففي كل منطقة تسيطر القبيلة الاقوى لا الدولة، وكذلك هي العراق اليوم قبلية مقسمة...

أما الحديث عن تدخل أمريكي عسكري مباشر في ليبيا، فإن العودة بالذاكرة الى الأحداث التي تبعت نشر الفيلم المسيء للرسول محمد (ص) من موجة احتجاجية في معظم انحاء الوطن العربي، وهنا امتازت ليبيا بحادثة مقتل السفير الامريكي الذي لقي حتفه اثر هجوم قامت به مجموعة من المسلحين على السفارة. لكن السؤال هنا، لماذا لم تقم أمريكا بتوفير الحماية لسفارتها أو على الأقل إجلاء سفيرها ورعاياها رغم علمها بأن هنالك من يخطط لمهاجمة المراكز والمصالح الامريكية؟.
وهنا أكدت صحيفة الاندبندنت أن الادارة الامريكية كانت لديها المعلومات حول الهجوم مسبقا :

"قال فيه رئيس المؤتمر الوطني الليبي العام (البرلمان الليبي) محمد المقريف، انه كانت لدى حكومته معلومات بأن الهجوم على القنصلية الأميركية تم التخطيط له من جانب مجموعة اسلامية ذات صلات بتنظيم القاعدة بمشاركة من اجانب.

"ذي انديبندنت" قد نقلت عن مصادر دبلوماسية قولها ان التهديد بوقوع هجوم ضد مصالح اميركية في المنطقة كان معلوما لدى الادارة الاميركية قبل 48 ساعة من وقوعه. وصدر التحذير عن مكتب الأمن الدبلوماسي في وزارة الخارجية الاميركية، ولكن لم يعلن عنه.  "(موقع صحيفة القدس،18/9/2012).

نتائج هذا الهجوم كانت عودة القوات الامريكية الى ليبيا بحجة البحث عن المسؤولين كما أرسلت قطعا بحرية وذلك لحماية رعاياها في ليبيا وغيرها من بلدان الشرق الاوسط :

"تتمركز سفينتان حربيتان اميركيتان مزودتان بصواريخ "توماهوك" قبالة الساحل، وامضت طائرة نفاثة دون اضواء، يعتقد انها بدون طيار، ساعات في السماء فوق المدينة خلال الليلتين الماضيتين.

وارسلت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) فرق تدخل سريع من النخبة تابعة للبحرية الاميركية الى ليبيا واليمن، ولكن فريقا ارسل الى الخرطوم يوم الجمعة اعيد بعد اعتراض الحكومة السودانية.

وقال وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا يوم الاحد ان البنتاغون "نشر قواتنا في عدد من الأماكن في المنطقة لتكون جاهزة للاستجابة لأي طلب نتلقاه لنكون قادرين على حماية موظفينا والممتلكات الاميركية". "(موقع صحيفة القدس،17/9/2012).

اذن ليبيا لم تحرر بل احتلت، وليس الاحتلال هنا فقط العسكري بل الاقتصادي فهنا يجدر العودة الى مقولة "الهدم البناء" والتي استخدمت في ليبيا، حيث قامت قوات الناتو بتدمير ليبيا وذلك على حساب ليبيا، أي أنها دفعت ثمن تدميرها! وستدفع ثمن اعادة اعمارها، كل هذا على حساب النفط الليبي والثروات الأخرى المتوفرة في هذا البلد.

نتوقف هنا لنعود بنبذة عن كيفية ظهور القذافي في ليبيا ومحاولات الغرب للتخلص منه واحتلال ليبيا مرة أخرى ...
ليبيا بقيادة "العقيد معمر القذافي" الذي جاء دون موافقة وختم أمريكي غربي فقد ظهر فجأة بانقلاب عسكري ومنذ بداية حكمه أبدى عداءه للغرب ورفضه للاستعمار الغربي وهو ما وضعه على اللائحة السوداء فمنذ انقلابه عام 1969 بدأ العمل على اسقاطه ولكن كافة المحاولات فشلت الى أن وصلنا الى ما يسمى الربيع العربي وسقط نظام القذافي.

دارت فكرة الانقلاب في رأس معمر القذافي منذ ذلك اليوم الذي رأى فيه المستشار الشخصي للملك جالسا على احدى طاولات اللعب في أحد مطاعم لندن الشهيرة وقد خسر نصف مليون دولار خلال نصف ساعة من اللعب، أما القذافي فقد اصطحبه احد اصدقائه هناك في وقت اجازتهم من التدريب العسكري في معسكرات النخبة البريطانية...لم يطل الأمر حتى سيطر القذافي بانقلاب لم يدم عدة ساعات فقد كان لديه مجموعة من الأتباع الذين أكنوا له الولاء، كما أنه أحكم الخطة بحيث أنهم قاموا بالسيطرة على جميع المؤسسات الرئيسية في الدولة، أما الملك ادريس كان في ذلك الوقت في طريقه الى تركيا...ومع بزوغ الفجر أعلنت ليبيا بأن حكم الملك إدريس قد انتهى وأعلنت ثورة في ليبيا بقيادة معمر القذافي الذي ترأس ليبيا من بعد الملك ادريس.

ليس الانقلاب المفاجئ هو ما أغضب أمريكا وبريطانيا، إنما الطلب الذي تسلمته كل من بريطانيا وأمريكا بسحب قواتها ومعداتها وتفكيك قواعدها الموجودة في ليبيا فقد كانت بريطانيا تملك قاعدتي طبرق وبنغازي والتي تعد قواعد اسطورية منذ الحرب العالمية الثانية.(جان جاك سرفان،التحدي العالمي،1980)

قررت أمريكا الهجوم المباشر على ليبيا وذلك لتحكم سيطرتها مرة أخرى على ليبيا لكن هذه المرة دون وجود بريطانيا كما أنها أرادت ردع أي افكار ثورية في المنطقة لكن الرفض جاء من وزارة الخارجية الأمريكية على هذا القرار فقد بيّن تقرير وزارة الخارجية أن هذا الهجوم محفوف بمخاطر كبيرة جدا وبعض هذه المخاطر هي ان هذا قد يدفع الاتحاد السوفيتي بالتدخل المباشر في ليبيا دفاعا عنها او التدخل في أي بلد عربي آخر وذلك لفرض السيطرة، كما أن وجود عبد الناصر في مصر كان يشكل رادعا آخر.(رفعت سيد أحمد، الصراع على ليبيا بالوثائق،1992)

لكن القذافي لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمر بضرب الغرب فقد قام القذافي بالضغط على شركات النفط الكبرى بطريقه لم تمكنهم من اسقاطه حيث ان الحكومتين الامريكية والبريطانية كانت بانتظار حركة مماثله لحركة مصدق وهي تأميم النفط، وهو ما فكر فيه القذافي لكن جلود(مستشار القذافي)، أوضح له خطورة فعل ذلك وضعف ليبيا اقتصاديا...فقاموا باستهداف شركة أوكسيدنتال التي كانت ضعيفة في الشرق الاوسط ووجد في عقدها بعض الاختلاف وبعد التفاوض الحازم من القذافي وجلود إضطرت الشركة لتوقع عقدا جديدا اشترط فيه رفع سعر النفط الخام قدر" 50 سنتا" امريكيا للبرميل الخام ومن ثم رضخت بقية الشركات بما فيها الشركات الكبرى ورفع سعر النفط .
لقد كان انجازا حيث ان النفط العربي كان من ارخص انواع النفط، كما انه كان اول بلد عربي عام 1970 استطاع فرض زيادة الاسعار على كل النظام النفطي الغربي. (جان جاك،التحدي العالمي، ص27-33)

بعد أمريكا وبريطانيا جاء دور فرنسا التي فقدت "تشاد " التي كانت تعتبر مستعمرة فرنسية منذ عام 1960 فقد أرسل بقواته اليها واحتل أجزاء من تشاد كما دعم الحركات الثورية هناك فقد كان القذافي وحسب تقرير" السي آي ايه" التي استعانت بمجموعة من العلماء على تحليل نفسية القذافي من خلال المعلومات المتوفرة عنه، فأظهر التقرير أنه كان لديه وبشكل مبالغ به مثالية ثورية، وهذا ما جعله يدعم معظم الحركات الثورية أينما وجدت.

 منذ بداية حكم القذافي وطلبه اجلاء القوات البريطانية والامريكية بدأت محاولات اسقاطه بشتى الطرق ومنها اغتياله مباشرة، دعم المعارضة الداخلية والخارجية، التدخل العسكري المباشر، فرض عقوبات اقتصادية، وحملة اعلامية لقلب صورة القذافي وتحويل الرأي العام الذي كان حينها داعما لهذه الثورة الى مضاد لها وداعما لتدخل أمريكي غربي.

لن أتمكن من سرد جميع المحاولات انما بعضها والتي بدأت فعليا بحركة أمريكية بعد أن أكد جهاز الامن القومي الامريكي ضرورة اضعاف القذافي وذلك للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وقد أصدر التقرير في عام 1970 والذي احتوى على العديد من البنود وأهمها هي التحرش العسكري المحدود بالقوات الليبية كما اختراق الأجواء الليبية وتوجيه تهديدات مباشرة للطائرات الليبية اذا ما حاولت اعتراضها، كما وطلبت التعاون بين الموساد الاسرائيلي والسي آي ايه والاستخبارات البريطانية لجمع المعلومات حول تحركات القذافي.

توالت التقارير من أجهزة المخابرات الى مركز الامن القومي الأمريكي وكان آخرها بتأكيد رسالة مشفّرة تبين خطة هجومية من ليبيا على كافة المواقع الاستراتيجية الامريكية في السرق الاوسط، وصل التقرير من السي آي ايه وتم تأكيده من الموساد وعلى اثرها توجهت الطائرات الأمريكية الى خليج سرت الليبي في 15 مارس 1973 وراحت تخترق الاجواء الليبية لتستفز ليبيا ودفعها لدخول الحرب مع أمريكا، أما ليبيا فقامت ب21 مارس باعتراض اختراق الطائرات فأطلقت الطائرات الليبية صواريخها باتجاه طائرة امريكية من طراز "هرقل" الا ان الطائرة لم تصب...فشلت مؤامرتها هذه التي كانت تعمل عليها فقد كانت تريد ان تجر الدول الاوروبية معها كما أرادت مساعدة من الدول العربية (لم يكن لدى القذافي صداقات فعلية مع الدول العربية المحيطة بعد عبد الناصر، فقد كان السادات يعد كعدو للقذافي )، لكن ليبيا انتصرت بدبلوماسيتها وكشف زيف الوثيقة التي اعتمدت عليها امريكا كما كشفت محاولاتها لاستفزاز ليبيا.

استمرت المحاولات للقيام بانقلاب في ليبيا لكن أي منها لم ينجح فقد كان الضباط موالين له كما أن معارضيه في الخارج قلة وضعفاء لكن هذا لم يدفع الغرب باليأس بل حاولوا العمل على تدريب معارضة في التشاد وادخالها الى ليبيا لاسقاط القذافي لكنهم فشلوا فيها في تلك الفترة...

في ال19 من أغسطس 1981 عادت أمريكا لاستفزاز ليبيا وتحدي سيادتها فأعلنت عن مناورات لها في خليج سرت التابع للسيادة الليبية وذلك اثر وصول معلومات عن بدء نشاط ليبيا نووياَ، تقدمت المقاتلات الأمريكية وخرقت الاجواء الليبية فقامت المقاتلات الليبية بالتصدي لطائرتين أمريكيتين من طراز "إف14" ، لكن هذه المرة كانت الطائرات الامريكية تحمل الإذن بالاستفزاز أي ضرب الطائرات الليبية فقامت باسقاط طائرتين ليبيتين. قد سعد الرئيس الامريكي "ريجان" بذلك الخبر ولكن لم تقم اي اشتباكات اخرى بعدها بين الطرفين.

في السادس عشر من نوفمبر 1981أتى أحد العملاء المتمكنين من النفوذ داخل نظام القذافي حسب قول التقارير بمعلومات تفيد أن المخطط الجديد لليبيا هو اغتيال المسؤولين الامريكيين أولهم ريجان أما اذا صعب أمره فنائبه والوزراء هم الهدف البديل، على اثر هذا الخبر قامت أمريكا بوضع خطة طارئة للتدخل العسكري المباشر وذلك دفاعا عن النفس، وضعن خطة تتكون من 5 هجمات وهي الهجوم على مواقع التدريب، ضرب المطارات، ضرب المنشآت البحري، ضرب المخازن، ضرب القطع البحرية الليبية باستخدام قوات خاصة. لكن هذه الخطة سرعان ما تبددت بظهور القذافي على شبكات الاعلام نافيا محاولة الاغتيال او التفكير بها ونسب هذه العمليات لأمريكا وصرح انها حاولت قتله بدَس السم له في الطعام كما انه طلب منهم فتح تحقيق في هذه القضية...في اليوم التالي نفت أمريكا اقاويل القذافي ولكنها لم تتمكن من تنفيذ المخطط فأرسلت له برسالة تهديد مباشرة من خلال بلجيكا كوسيط لايصال الرسالة، واحتوت الرسالة تهديد بتدخل عسكري تحت غطاء الامم المتحدة حسب المادة51 وذلك بحقها الدفاع عن مسؤوليها من اي اعتداء ليبي... وفي نهاية العام بيّنت تقارير المخابرات الامريكية أن المصادر لم تكن ذات صلة ونفوذ بل انها ضعيفة وقد تكون المعلومات عن الاغتيالات خاطئة.

انتقلت أمريكا لاتهام ليبيا بكل عمل "ارهابي" أما أهمها كان اتهامها بهجومين في مطار روما وفينا في 1985 وذلك بعد يومين من أعياد الميلاد حيث راح ضحية هذا الهجوم19 شخصا من بينهم خمسة أمريكيين، قامت أمريكا بتحديد أهدافها للضربة العسكرية التي ستأتي ردا على هذا الهجوم، لكن البنتاغون أثار تحفظاته فهنالك 1500مستشار سوفيتي في ليبيا فكان التخوف من أن يصاب أحدهم...بائت الخطة بالفشل، لكنها عادت للاستفزاز وبدأت مناورات ضخمة في العام1986 والتي أسميت "نيران البراري" مناورات ليوم واحد، حاولت ليبيا التصدي لها فقامت المقاتلات الامريكية بضرب مواقع الرصد الليبية وأدى الهجوم لقتل 72 ليبيا.

وفي العام ذاته 14 ابريل هاجمت 30 قاذفة أمريكية مدينتي طرابلس وبنغازي، وقاذفات أخرى من نوع"اف-111" تحمل كل منها أربع قنابل تزن كل منها 2,000 رطل، كان يفترض أن تضرب الثكنات المتوقع أن يكون فيها القذافي ب32 قذيفة والتي كانت توجه بالليزر، الا أن الثكنات لم تصب سوى ب2الى 4 من هذه القذائف!، أما القذافي فكان مستلقيا في خيمته البدوية خارج الثكنات التي قصفت فلم تنجح عملية الاغتيال في يومها...كانت الحجة هي تفجير مرقص في برلين اتهمت به ليبيا وتبين بعد التحقيقات أن المسؤول عن التفجير شاب لبناني وسجن في سجن بون المركزي .

أما قضية الطائرة الأمريكية "بان أمريكان" التي تم تفجيرها فوق قرية لوكيربي البريطانية بتاريخ 21/12/1988، فقد امتازت بأنها كانت محاولة من أمريكا لاحتلال ليبيا تحت غطاء الامم المتحدة وذلك تحت الفصل السابع حيث أصدر مجلس الامن قرارا يلزم ليبيا بتسليم المتهمين؛ حيث اتهمت ليبيا بالتفجير وأصرت الدول الثلاث(أمريكا، بريطانيا، فرنسا) بأن على ليبيا تسليم الأشخاص المتهمين لتحاكمهم هذه الدول، لكن القذافي رفض أن يسلمهم وطلب اثبات الادانة، وبعد الضغوط وافق على محاكمتهم ولكن من قبل دولة حيادية الا أن الرفض كان الاجابة الوحيدة حيث عبرت أمريكا أن هذا شأن للدول الثلاث وليبيا فقط ولا يحق لاحد التدخل فيها، كما أن جامعة الدول العربية تقدمت باقتراح مجموعة للتحقيق في الحدث من خلال الامم المتحدة والجامعة العربية فرفض الاقتراح بحجة أن هذا الامر ليس من اختصاصهما، لكن أيدت أمريكا تدخل الامم المتحدة فقط في حال فرض عقوبات اقتصادية وسياسية!.

ومع استمرار الضغط على ليبيا وقفت الجامعة العربية معهم ضد الموقف الغربي في تعنته وذلك بقيادة مصرية، لم يرض الأمر أمريكا فبداية عرضت مساعدات اقتصادية لمصر بتحسين وضعها ودعمها ماديا الا أن مبارك رفض، لم يطل الأمر حتى بعث الرئيس الأمريكي برسالة وصفت بأنها لم تكن دبلوماسية فقد كانت تهديدا مباشرا باحتلال مصر وذلك لوصف مصر تحركات أمريكا بالإستفزازية فكان ردها أن هذا الاستفزاز يعيد الاستقرار للمنطقة وقد تستفز أمريكا مصر لاعادة الاستقرار للمنطقة...وبعد ان كان موقف جامعة الدول العربية داعما لليبيا وضد تحركات الغرب انقلب في يوم وليلة ليتحول الى مؤيد للغرب وطالبت ليبيا بتسليم المتهمين لأمريكا وطلبت منها الانصياع للأوامر. 

أما مسؤولية التفجير فبينت الوثائق التي كشفتها الحكومة الفدرالية أن الحكومة كانت قد تلقت تهديدات بأن هنالك هجوم سيتم في المطار في وقت ما من النصف الثاني من العام 1988، تم تحصيل هذه المعلومات بغطاء قانون حرية الحصول على المعلومات و بعد رفع قضية ضد الحكومة ومحاولة استجوابها في المحكمة من قبل الشركات وأهالي الضحايا، كما أكدت التحقيقات التي شاركت فيها الشركة بان أمريكان بعد ان امتنعت ادارة الامن القومي عن تزويدها بأي وثائق، تبين في التحقيق وحسب تقرير الشركة أن الحقيبة التي تحمل القنبلة قد وضعت في الطائرة أمام أعين رجال المخابرات الامريكية والالمانية الغربية كما بين أيضا أن عملاء السي آي ايه كانو على علم بوجود القنبلة في الحقيبة، أما الأدلة التي وضعت ضد ليبيا فكانت ضعيفة جدا ولا تثبت ضلوعها في التفجير .(رفعت سيد أحمد، الصراع على ليبيا بالوثائق)

يبدو أن أمريكا محتارة بمن تلصق التهمة فاتهمت ليبيا، إيران، العراق، اضافة الى الفلسطينيين متمثلين بمنظمة التحرير...لكن عقرب ساعة أمريكا توقف على ليبيا بعد مضي عدة أعوام من تفجير الطائرة، وفي نهاية المطاف رضخت ليبيا للضغوط العربية التي ترأستها دول الخليج وسلمت المتهمين لتتم محاكمتهم حيث تم سجنهم، ثم دفعت تعويضات لأمريكا عن أسر الضحايا حيث دفعت 2.16 مليار دولار...كل هذا مضاف اليه الحصار الاقتصادي والسياسي لم يكن كافيا لاغلاق ملف الطائرة بل بقي مفتوحا حتى بعد اصدار محكمة العدل الدولية حكمها في ربيع عام1998...وبعد 25 عام من هذه الحادثة أعادت أمريكا وبريطانيا طلب فتح التحقيقات من قبل الحكومة الليبية الجديدة والتي بدورها أرادت اغلاق الملف، بتاريخ 1/3/2013 نشرت صحيفة القدس العربي على موقعها، ونقلا عن (يو بي اي) وصحيفة (الديلي تلغراف) خبر اعادة فتح التحقيق حيث أن بريطانيا أرسلت محققيها الى طرابلس لاستكمال التحقيقات حول التفجير، كما أن أمريكا بعثت عدة مرات دبلوماسيين لطرابلس لبحث اكمال التحقيقات...كما جاء من مصدر مطلع حسب الصحيفة بأن أمريكا تريد رفع دعوى ضد الحكومة الليبية الجديدة وذلك على اثر الحادثة السابق ذكرها.
___________________________________________________________

**للإطلاع أكثر على اتهام ليبيا بحادثة الطائرة انظر :كتاب إغتيال ليبيا، باعداد مجموعة من الخبراء،1993.

No comments:

Post a Comment