Thursday 27 September 2012

مقالة : ثلاثُ وأربعون ساعة







ثلاثُ وأربعون ساعة

بقلم :ليث مسعود

27-9-2012

    العام 1982م حين كان الصيف يلفظ أنفاسه والخريف يطرق الأبواب، و شمس يوم الخميس السادس عشر من أيلول تستتر وتبتعد فهي لا تريد أن تشهد بداية ذلك اليوم الدامي*...وحين عادت لتكشف صباح يوم الجمعة عن ضحايا تلك الليلة سمحت لذوي الضحايا معرفة مصير أقاربهم...استمرت المجزرة الى يوم السبت ظهرا تمام الساعة الواحدة لتختم ثلاث وأربعين ساعة دموية شهدها اللاجئ الفلسطيني ومن كان بجواره من اللبنانيين وبعض المصريين والسوريين وغيرهم من الجنسيات حيث مثلوا الأقلية وأما جريمتهم كانت أنهم سكنوا بجوار الفلسطينيين أو ناسبوهم....

دخلت المليشيات اللبنانية وبمساعدة مباشرة من الجيش الإسرائيلي الذي كان قد إحتل البنان وعاصمتها بيروت وحاصر المخيم الفلسطيني صبرا وشاتيلا منذ صباح يوم الأربعاء وتكفل بالسلاح للمليشيات والغذاء الذي كان يعود للجيش الأمريكي والإسرائيلي وهذا ما أثبتته مخلفاتهم وشهود العيان، كما  أثبتوا أن هنالك لغات أجنبية وملامح غير عربية كانت داخل المخيم فقد سمعت اللغة الفرنسية والعبرية واللغة الألمانية بين بعض الأشخاص كما وجدت هويات إسرائيلية في بعض الأماكن ما أثبت تدخل الجنود الإسرائيليين مباشرة...أما المليشيات اللبنانية التي أثبت وجودها سواء بإعترافهم وتفاخرهم مثل مليشيا "النمور الأحرار" التي أسسها داني شمعون، ومليشيا سعد حداد، ومليشيا الكتائب اللبنانية.

لقد كانت هذه المجزرة من أبشع المجازر في التاريخ فقد تم تعذيب الكثير من الأشخاص ومن ثم قتلهم، كما تم إستخدام حفر الموت حيث كانوا يجمع الضحايا في حفرة ويقتلون سواء بدفنهم أحياء أم بقتلهم وردم الحفرة، كما تم إحراق من احتموا بالملاجئ بالفسفور ومنهم من أخرج من الملجأ وتمت تصفيتهم على الجدران المقابلة "جدران الموت"، غير أن البعض وجد مقطعاً! ليس بسبب إنفجار بل بأدوات حادة منهم أطفال صغار حسب الشهود...لم يكن المنفذون ليعترفوا ببشرية الضحايا ...كما أن المجزرة لم تخلُ من عمليات الإغتصاب فقد عذب أحد الأشخاص ثم قتل بضربة فأس في رأسه؛ ذلك لأنه رفض السماح لهم المساس بزوجته !...أمثلة كثيرة على شناعة المجزرة، ترويها شهادات من أقدم عليها، وشهادات ضحاياها الناجين ...

مبررات المجزرة من الجانبين اللبناني والإسرائيلي تميزت بكذبة الـ 2500"مخرب فلسطيني " تلك الكذبة التي لا يمكن أن تصدق! لماذا ؟ ...لقد غادرت منظمة التحرير ومن كان معها من الثوار الفلسطينيين والسوريين وغيرهم من الجنسيات الاخرى على متن بواخر، ذلك بعد إتفاقية على أن يغادروا الى أي بلد تحدد لهم دون اعتراض، فكان منهم من نقل الى تونس حيث تجمعت القيادات...أما الإتفاقية فقد نصَّت على أن يغادر الثوّار المخيم وفي المقابل أن تأتي فرق الحماية الدولية من فرنسا وأمريكا وإيطاليا وغيرها لحماية اللاجئين الفلسطينيين من أي تحرك ضدهم، لكن ما إن غادر آخر مقاتل تحت إشراف القوات الدولية، سحبت  فرنسا وإيطاليا قواتها بعد ان تلقوا ضمانات من أمريكا حيث تبنت هي الدفاع ؛مع أنها انسحبت مباشرة من المكان ممهدة الطريق للمجزرة.

الدور الإسرائيلي غير دعم المليشيات ماديا تمثل بمحاصرة المخيم ثم إمطاره بالقذائف المدفعية التي اشتدت في فتره المساء يوم الخميس والقنص الذي كان يصيب كل من يتحرك خارج بيته وذلك لتجميع الضحايا في البيوت والملاجئ تسهيلا لارتكاب الجريمة إضافة الى إدخال الجرافات (البلدوزرات) التابعة للجيش الاسرائيلي لتدمر بيوت الفلسطينيين المبنية من الطوب على أهلها، وحتى تقوم بإخفاء أكبر عدد ممكن من الجثث، فكانت الجثث تكدس في أكوام الرمل بينما كانت أطراف الضحايا تظهر من بين الرمال، ولم تكتفي بهذا ،بل أنارت بالطائرات والقنابل الضوئية طوال الليل للمليشيات؛ حتى تتمكن من إكمال الجريمة بشكل متقن ،أضف الى ذلك قصفهم لأي منطقة يصدر منها مقاومة فلسطينية ناجمة عن شباب ليس بالمتحمس بل يدافع عن حياته وحياة عائلته ويجدر الإشارة هنا الى أن السلاح كان من المخازن التي تركتها منظمة التحرير، وأما الشباب المقاوم فلم يكن قد تدرب أو اعتاد حمل السلاح فكان معظم الرصاص في الهواء!...ونصل الى آخر طريقة للمساعدة وهي منع أي فلسطيني من الخروج...لكن إسرائيل أنكرت معرفتها بأي من هذا! بالرغم من علم الجنود المحاصرين للمخيم وهذه إحدى الشهادات : "قلنالهم يعني شو نعمل، ناخد اهلنا وعائلاتنا ونترك المنطقه ؟...كان الرد سريعا "ارجعوا لبيوتكم. اليوم مايترك حدا. ارجعوا لبيوتكم. بس نهار الجمعه خدوا اخواتكم واهلكم" ،كان هذا منتصف يوم الاربعاء وأما الراوي فقد قتل جميع أفراد عائلته في المجزرة ليلة الخميس داخل بيتهم!؛ أما هو فكان في زيارة لصديقه الذي أصيب برصاص القناصة فلم يكن في بيته حين قتلت العائلة...والكثير من الشهادات تثبت معرفة الجنود، اضافة الى أن مراكز القيادة الإسرائيلية كانت تشرف على المخيم كاملاً!،فكيف يقال ان القيادات لا تدري؟ وماذا عن الإتصال الذي جاء مباشرة مع أريئيل شارون من مراسل التلفزيون "رون بن يشاي"، والتي تمت الساعة الحادية عشر والدقيقة الثلاثين مساء يوم الجمعة، وأقتبس جزءا من المحادثة:

 " أطلعته على كل ما اعلم وأتذكر قولي له :أنه يجب فعل شيء لإ يقاف ما يجري، وإن جيش الدفاع الاسرائيلي على علم بما يجري.....إن وزير الدفاع الذي أيقظته مخابرتي....سألني إن كنت أعلم أي تفصيلات، فأعلمته بدقة أين رأى الجنود الاسرائيليون عمليات القتل والاعدام .....لكن وزير الدفاع بالكاد تجاوب معي....".

وقد أكد شارون في مذكراته هذا الاتصال، وأكد علمه بما جرى في المجزرة يومها، وأكد كذلك الاتصال في حديثه الى الإذاعة في الرابع والعشرين من أيلول .

أكتفي هنا بإيضاح كم كان دور إسرائيل ومعرفتها ودور أمريكا التي كانت أول من مهد وسمح بهذه المجزرة وحتى في إتفاقية انهاء المجزرة  تم التلاعب بالكلمات فكان الاتفاق أن تنتهي صباح السبت الساعة الثامنة، لكنها أنهيت الساعة الواحدة، تلك الساعات القليلة كلفت الفلسطينيين مئات الضحايا الأبرياء فلم يكن هنالك تمييز بين الطفل أو كهل أو امرأة....


أخيراً لا ننسى فريق السلام ولا ننسى النساء في مسيرة الاعلام البيضاء؛ وذلك قبل المجزرة وأثناء القصف إجتمع كبار المخيم أي الطاعنون في السن وذهبوا كوفد الى المركز الاسرائيلي حتى يؤكدوا لهم أنه لا يوجد سوى أطفال ونساء وشيوخ، وأن المقتلين قد خرجوا، أما الرد فكان وحسب شهود أنهم قتلوا هذا الوفد وقطعوهم ! أما النساء اللواتي تقدمن ويحملن الاعلام البيضاء فكان مصيرهن الموت المحتم، من قتلهم لا يوجد جزم إما المليشيات أو الجيش الإسرائيلي .

أما القانون الدولي و معاهدة جنيف الرابعة التي كانت إسرائيل من الموقعين عليها  ينص على حماية المحتل لأي لاجئ أو مواطن أعزل داخل الدولة التي احتلها أي أن سكان المخيم كانوا يتمتعون بحماية خاصه! إذن بجميع الاحوال المذنب الأول هو إسرائيل التي ادينت وبشكل غير مباشر في" تقرير كاهان" كما نفيت التهمة عن مليشيات سعد حداد؛ التي كانت تعتبر كجزء من الجيش الاسرائيلي فكانت تنفذ عمليات للجيش الاسرائيلي علنا!، فقد كان تبرير إسرائيل بأن المليشيات دخلت لقتل المخربين المسلحين!...فكانت إحدى التعليقات من الباحثين والكتاب وأكتفي بما قاله الروائي" يتسهار سميلانسكي ":

"أفلتنا الأسد الجائعة في الحلبة،فافترست الناس، إذاً الأسود هي المذنبة، لأنها هي التي افترست، أليس كذلك؟ من كان يمكنه أن يتصور، عندما فتحنا الباب أمام الأسود وتركناها تَلِج الحلبة، أنها ستفترس الناس؟".

في الختام شهادة أحد الجنود الإسرائيليين تبين علم القيادات ومدى وحشية المليشيات:"لقد أثيرت عاصفة في الدولة بالنسبة الى علاقة الفالانج بمسألة صبرا وشاتيلا. كان من الضروري حتما التعرف الى الفالانج من أجل إدراك انهم قادرون على ان يفعلوا ما فعلوا....استطعت ان اعر هذا حين كنت في بيروت قبل ان تحدث المجزرة ....صادقت شابا من الفالانج. انا لغاية اليوم لا أستطيع ان انسى صورتين اراني اياهما بزهو حقيقي. في الأولى كان يقف وهوه يتخذ وضعا بطوليا ويحمل بيديه وعاءين زجاجيين ملآنين بآذان للإرهابيين! لقد اخبرني انه قطعها مؤخرا من اجساد إرهابيين [أي بعد أن وضع الجيش الإسرائيلي "الإرهابيين" في عهدة الفالانج]. في الصورة الثانية رأيته واقفا وهو يرفع بكل يد من يديه رأسا مقطوعا، وكان هناك رأس ثالث بين ساقيه ! لقد شرح لي بكثير من الاعتداد بالنفس أن تلك كانت رؤوس لفلسطينيين قام هو بقطعها".



________________________________________________________________________

*إعتمد هذا المقال في كافة المعلومات على المرجع :صبرا وشاتيلا أيلول1982، بيان نويهض الحوت، صادر عن مركز الدراسات الفلسطينية2003

صور من المجزرة وخرائط المنطقة : 












No comments:

Post a Comment